اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
76486 مشاهدة
النية والهجرة

...............................................................................


أخبر -صلى الله عليه وسلم- بأن الأعمال بالنيات وأن لكل امرئ ما نوى، وضرب مثلا بالهجرة؛ كانوا إذا أسلم أحد في بلاد الكفر انتقل من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام؛ حتى يأمن على نفسه وماله ودينه ومحارمه، ويسلم من الأذى ويسلم من الفتنة، كما حصل من المسلمين الذين كانوا بمكة يعذبون، فإنهم هاجروا أولا إلى الحبشة ثم هاجروا بعد ذلك إلى المدينة ثم صارت بلاد إسلام.
يعني أن هناك إنسان يكون نيته في الهجرة المصالح الدنيوية، فليس له أجر على هجرته، وإنسان يكون سبب الهجرة فرارا بدينه فيكون له أجر عند الله تعالى على هذه الهجرة.
الهجرة إلى الله ورسوله؛ يعني إذا كانت نيته أن يتعلم بهذه الهجرة، أو نيته أن يتمكن من عبادة الله، أو نيته نصرًا أن ينصر الله ورسوله ويجاهد في سبيله فهذه نية صادقة يثيبه الله تعالى ثواب المهاجرين، فإذا كانت نيته أن يصيب دنيا؛ يعني مكاسب أو تجارة أو دنيا يحصل عليها، أو يجد حرفة أو يجد عملا يحصل منه على مصالح دنيوية وأموال دنيئة، أو يتزوج امرأة رغبها ولا يحصل له الزواج بها إلا إذا هاجر فهذا هجرته إلى ما هاجر إليه؛ أي ليس له أجر الهجرة، فالله تعالى هو المطلع على نيته، هذا بيان في هذا المحل بيان للهجرة أنها مثل من الأمثلة.
ذكروا لسبب هذا الحديث أن رجلا هاجر لما خطب امرأة يقال لها أم قيس فامتنعت من الزواج به حتى يهاجر فهاجر؛ ليتزوج بها، فكانوا يسمونه مهاجر أم قيس فيكون هذا أيضا من جملة الأمثال التي تفسد الأعمال.
لا شك أن الهجرة كانت مشروعة في أول الإسلام؛ عندما كان الإسلام ضعيفا في تلك القرى وفي تلك المدن، ولا يتمكن مسلم من العبادة ومن التعلم ومن العمل إلا في البلاد التي أهلها مسلمون، وأهلها كلهم على الإيمان فيهاجر حتى يأمن على نفسه وعلى دينه، أو يهاجر حتى يتعلم أحكام الدين، فهذا هو الذي هجرته يثاب عليها.
لما فتحت مكة وفتحت البلاد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن أراد أن يهاجر: ذهبت الهجرة لأهلها أي الذين هاجروا من السابقين الأولين؛ فاعبدوا الله تعالى في بلادكم ولو من وراء البحار.
وبهذا نعرف أن الإنسان واجب عليه أن يحسن نيته ويعبر عن ذلك بالإخلاص فالإخلاص هو إخلاص النية أن يكون العمل خالصا لله تعالى؛ حتى يثيبه الله تعالى عليه، وأن لا يفسده بالرياء ولا بالسمعة ولا بالتمدح ولا بإرادة المصالح الدنية وما أشبه ذلك مما يضعف الأجر ويقلل الثواب.